د. حسين رشيد
سلسلة متواصلة نستعرض من خلالها قصص الأنبياء والمرسلين من خلال كتاب الله تبارك وتعالى والصحيح من الأخبار بعيدا عن الأساطير والخرافات والإسرائيليات التي تعرضت لها هذه القصص
القصة الأولى: قصة آدم (عليه السلام)
الحلقة الخامسة
وصلنا في الحلقة الماضية من قصة نبي الله آدم (عليه السلام) الى ان الله سبحانه وتعالى أباح له ولزوجته الجنة، وسنحاول في هذه الحلقة ان نبحث مميزات هذه الجنة وأين كانت لأن العلماء اختلفوا في هذه الجنة فمنهم من قال انها في السماء ولكنها ليست جنة المأوى ومنهم من قال انها في الارض وليست في السماء ومنهم من قال انها جنة الآخرة ذاتها التي تحدث عنها القرآن مطولا في عدة آيات. ولمناقشة هذه الآراء يجب اولا ان نعرف ما معنى الجنة وعلى ماذا تطلق: فقد جاء في لسان العرب ان الجنة هي الحَديقةُ ذات الشجر والنخل، وجمعها جنان وفيها تخصيص، ويقال للنخل وغيرها. وقال أَبو علي في كتابه التذكرة: لا تكون الجنة في كلام العرب إلا وفيها نخلٌ وعنبٌ، فإن لم يكن فيها ذلك وكانت ذات شجر فهي حديقة وليست بجنة، وقد ورد ذكرُ الجنة في القرآن العزيز والحديث الكريم في غير موضع. والجنة هي دارُ النعيم في الدار الآخرة، من الاجْتنان، وهو السَّتْر لتَكاثُفِ أَشْجارِها وتظليلها بالتِفافِ أَغصانِها.
فالجنة اذاً هي البستان العظيم الثمار والاشجار، ومن هذا المعنى نستطيع ان نعرف لماذا اختلف العلماء في مكان هذه الجنة لأنها من الممكن ان تكون ارضية اي في الارض ومن الممكن ان تكون سماوية اي في السماء كما قيل، ولكن مميزات هذه الجنة تختلف عن الجنة الآخرة التي وعدنا بها اختلافا جذريا، وهذا الاختلاف يتمثل في عدة أوجه، منها: ان جنة الخلد من يدخلها لا يخرج منها وهو خالد فيها كما جاء في قوله تعالى (قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا) الفرقان : 15 ، وكذلك قوله تعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) الزمر: 73 ، على عكس الجنة التي دخل فيها نبي الله آدم (عليه السلام) وزوجته حواء فقد حذره رب العزة بأنه ممن الممكن ان يخرج منها بفعل الشيطان فقال تعالى (قُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) طه: 117، وبالفعل يؤكد القرآن الكريم ان الشيطان استطاع ان يخرج آدم وزوجه من الجنة فقال تعالى (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) البقرة/36، والامر الثاني ان الثمار التي في جنة آدم (عليه السلام) غير الثمار التي في جنة الآخرة، فالقرآن يصف ثمار جنة آدم بالرغد والرغد في اللغة الطيب الكثير او الواسع، بل ان الله سبحانه قد لا يصف الاكل فيها فيقول (ويا ادم اسكن انت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) الاعراف: 19، اما جنة الآخرة فالقرآن الكريم يصفها بأوصاف متعددة منها مثلا ما جاء في سورة يس قال تعالى (وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا الإنسان/12 مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا الإنسان/13 وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا الإنسان/14 وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا الإنسان/15 قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا الإنسان/16 وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا الإنسان/17 عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا الإنسان/18 وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا الإنسان/19 وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا الإنسان/20 عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) الإنسان/21، وقال ايضا في
سورة الزخرف (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ الزخرف/70 يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الزخرف/71، بل ان الله تعالى لا يصف الجنة مباشرة حتى يوقع في النفس انها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيضرب لها مثلا فيقول (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ) محمد/15، والله سبحانه يؤكد في آياته ان هذه الجنة لا مثيل لها وكل ما صوره القرآن الكريم فيها هو على سبيل التشبيه فيقول (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/25،
وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) عن الجنة انه قال : (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) فكل هذه الأدلة تؤكد على ان الجنة التي دخل فيها آدم (عليه السلام) وزوجه هي ليست جنة الخلد.وذلك لأن جنة الخلد لم يرها احد ولم تخطر على قلب بشر كما ان اوصافها غير اوصاف جنة آدم (عليه السلام)، اذن فقد دخل أدم وزوجته حواء الى هذه الجنة وهما يعلمان انهما ربما يخرجان منها اذا نقضا الشرط وهو الاكل من الشجرة، فماذا فعل ابليس اللعين معهما. فقد أكدت الآيات الشريفة ان الشيطان غرر بهما اي بآدم وحواء وقال لهما انكما اذا اكلتما من الشجرة فستكونان ملكين او تكونا خالدين في الجنة أبدا، كما صرحت بذلك: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) الأعراف/20، ويؤكد القرآن هذه المسألة فقال (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) الاعراف: 27، وقال ايضا (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ) الأعراف/22،
اذن فهذا العمل الذي أتاه آدم عليه السلام هو الذي أدى به للخروج من الجنة هو وزوجته قال تعالى في ذلك (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ الأعراف/22، قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ الأعراف/23 قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) الأعراف/24، وهكذا خرج ابوانا من الجنة. ولكن السؤال المطروح الذي اختلف فيه هو ما فعله آدم عليه السلام في الاكل من الشجرة هل هو من باب معصية الله سبحانه ام لا واذا كان من باب معصيته سبحانه فما حكم عصمة النبي آنذاك وهذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة من هذه السلسلة فكونوا معنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحلقة الخامسة من القصة الأولى: قصة آدم (عليه السلام)
Keine Kommentare:
Kommentar veröffentlichen