إن الصالحين دائماً يتأسون برسول الله صلى الله عليه و سلم “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً “والتأسي برسول الله صلى الله عليه و سلم إنما هو اتباع للقرآن “لقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم الصورة الواقعية للقرآن، وشهر رمضان موسم من أسمى المواسم الروحية، في الاتجاه إلى الله سبحانه وتعالى للاندماج في عباده الصالحين، ولقد دعانا الله سبحانه وتعالى إلى التوبة في أساليب مختلفة تارة رقيقة ورحيمة تنبض بالرحمة “يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر لكم” (حديث قدسي) ولقد عبر رسول الله صلى الله عليه و سلم عن موقف الله تعالى بالنسبة للتائب بكلمة “الفرح” إن الله سبحانه وتعالى: يفرح بتوبة عبده المؤمن، وتارة أخرى يدعونا الله سبحانه وتعالى إلى التوبة في أسلوب رهيب شديد الرهبة.
وقد جمع سبحانه وتعالى بين الرحمة والرهبة في الدعوة إلى التوبة “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً أنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون” (سورة الزمر) واختلفت الأساليب في الدعوة إلى التوبة، لتتناسب مع مختلف الطبائع والفطر، والصالحون وإن كانوا يتوبون إلى الله تعالى دائماً، ويرجعون إليه، في اليسير من أمرهم، والعظيم منه، فإنهم يبدأون شهر رمضان بتجديد العهد مع الله بالتوبة الخالصة النصوحة. التوبة التي تكون فيصلاً حاسماً، في حياة الإنسان، فيستأنف عهداً مع الله كله صدق ويبدأ حياة كلها تقوى. “ومن يتق الله يجعل له مخرجاً من كل ضيق ومن كل أزمة، يفرج همه، ويكشف كربه، ويزيل غمه”
إن كلمة (يجعل له مخرجاً) مطلقة لا يقيدها قيد ولا تحدها حدود، وشرطها الأساسي: التقوى أي التقوى بمعناها الصادق، الصحيح المستقيم.
إن الله سبحانه وتعالى بالتقوى، ييسر له من أمره ما تعسر، ويرزقه من حيث لا يحتسب، و يرزقه مادياً، ويرزقه روحياً، ويرزقه من حيث لا يدري.
إن الصالحين في بداية رمضان يجددون عهدهم مع الله ويلتزمون بتجديد هذا العهد الصادق بالتقوى وتتألق تقواهم تأسياً برسول الله صلى الله عليه و سلم في أمرين أولهما الإكثار من قراءة القرآن ، والأمر الثاني الإكثار من الصدقة، روى الإمام البخاري صلى الله عليه و سلم عن ابن عباس صلى الله عليه و سلم قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان، فيدرسه القرآن، فلرسول الله bحين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وفي هذا الحديث الشريف ربط بين رمضان والقرآن وكثرة الصدقة.
القرآن هو دستور المسلمين، إن قراءته، والتفكير فيه عبادة، واتباعه واجب، وكلما اقترب الإنسان من تحقيق الأخلاق التي رسمها، كان اقرب من الله ورسوله، وأحب إلى الله ورسوله.
يجعله الصالحون شعارهم، ويجعلونه وردهم، وإنه ربيع قلوبهم، وهو الرياض التي تتفتح أزاهيرها لبصيرتهم، ناضرة يانعة، إنها تتفتح لهم على الدوام فيستمتعون بأريجها العطري وجمالها الرائع.
والقرآن ذكر، وهو دعاء وسؤال لله سبحانه وتعالى يتصل بالخير والرحمة والمغفرة ورسول الله s يقول فيما رواه الترمذي عن أبي سعيد قال – قال رسول الله s يقول الرب تبارك وتعالى” من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله كفضل الله على خلقه”
وينبغي عند قراءة القرآن أن يتدبّر القارئ ويتأمل في معاني القرآن وأحكامه، لأن هذا هو المقصود الأعظم والمطلوب الأهم، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال تعالى: “كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته” (سورة ص)
وأن يشغل قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذاب أشفق وتعوّذ، أو تنزيه نزّه وعظّم، أو دعاء تضرّع وطلب.
أما فيما يتعلق بالأمر الثاني الإكثار من الصدقة فمن يصوم رمضان ويتلو كتاب الله، فلا يشرق قلبه بنور الرحمة، ولا تتألق نفسه بضياء الكرم، فهذا يدل على أن وسائل النور هذه لم تتغلغل في نفسه، ولم تتغلغل في أعماقها المختلطة بلحمه ودمه، فتقوده إلى الجود والإحسان، ويقول سبحانه وتعالى ” ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله، هو خيراً لهم، بل هو شر لهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة، ولله ميراث السموات والأرض، والله بما تعملون خبير”
فإن الذي يتصدق بصدقة، ولا تعلم شماله ما أعطته يمينه، داخل نطاق السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله كان صلوات الله وسلامه عليه، يكثر من تلاوة القرآن، وكان جواداً حتى إذا ما أتت العشر الأواخر من رمضان أحيى الليل كله، وإذا اجتهد في رمضان في العبادات ما لا يجتهد في غيره، فإنه في العشر الأواخر منه، كان يجتهد ما لا يجتهد في غيرها.وعن أبي موسى الأشعري، قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ” عن كل مسلم صدقة . قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بيده فينفع نفسه، ويتصدق. قالوا :فإن لم يستطيع؟ أو لم يفعل؟ قال: فيعين ذا حاجة الملهوف. قالوا فإن لم يفعل؟ قال: «فيأمر بالخير» قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: «فيمسك عن الشر» فإنه له صدقة»
وعن أبي ذر قال: قال رسول الله s إن بكل تسبيحه صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميده صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجر»
قول معروف ومغفرة
يقول الله تعالى في سورة البقرة»قول معروف ومغفرة خير من صدقة لا يتبعها أذى، والله غني حليم» وردت هذه الآية الكريمة ضمن آيات عدة تحث على الصدقة وتذكر ثمرات التصدق في سبيل الله: ترغيباً في الصدقة من أول الأمر فمثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله: ترغيباً في الصدقة من أول الأمر فمثل الذين ينفقون أموالهم في سبيله سبحانه، كمثل حبة غرست في الأرض فنبتت وأينعت وأثمرت سبع سنابل، ممتلئة وموفورة في كل سنبلة مائة حبة، ويشير الله بذلك إلى الأجر الذي يتضاعف فيصل إلى سبعمائة مثل ولكنه لا يقتصر على ذلك فإنه بمقدار إخلاص المتصدق يضاعف الله له الأجر إذا شاء الله وإن فضل الله لأوسع من أن يضيق بمنح الأضعاف المضاعفة وهو سبحانه، عليم بمن يستحق ذلك من المخلصين.
وبعد ذلك تتعرض الآيات لبعض شروط الصدقة المقبولة. فمن ذلك أنه سبحانه وتعالى، لا يقبلها من هؤلاء الذين يتبعونها بالمن. والمن أن يعتد المتصدق ويفتخر بإحسانه على من أحسن إليه فيقول مثلاً: أنا أحسنت إليه في كذا، وفي كذا، وأنا فعلت معه ذاك . يريد بذلك إظهار فضله عليه. ومن ذلك أيضاً أنه سبحانه، لا يقبلها ممن يتبعها بالأذى.
والأذى أن يتطاول المنفق على من أنفق عليه بالكلام أو بغيره.أما الذين لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى فإن أجرهم عند الله سبحانه جزيل ومن أجل إبعاد المتصدقين عن أن يقعوا فيما يتصل بالمن والأذى من قرب. أو من بعد، أفاض سلفنا الصالح في الحديث عما يمكن أن يكون مناً أو أذى فقالوا: المن أن يستخدمه بالعطاء والأذى أن يعيره بالفقر، وقالوا المن أن يتكبر عليه لأجل عطائه، والأذى أن ينهره ويوبخه بالمسألة، وقد قال الإمام الفقيه سفيان الثوري مَن منَّ فسدت صدقته، فقيل ويتحدث بها.
ولقد كان سلفنا الصالح دقيقاً في هذه المعاني حتى لقد قال زيد بن أسلم صلى الله عليه و سلم: إذا أعطيت أحدا شيئاً وظننت أن سلامك يثقل عليه فكف سلامك عنه. على إن الكلام الحسن والرد الجميل على السائل والبشاشة في وجهه والتجاوز عن إلحافه ومغفرة ذلك له، وكلها أمور سهلة التحقيق خير عند الله وأفضل من صدقة يتبعها منٌّ أو أذى للسائل. والدين الإسلامي دين يحافظ على كرامة الفرد محافظة تامة ما دام الفرد محافظاً على حدود الدين وآدابه لا يجاوزها. وهو وإن حث على الصدقة والإنفاق فليس معنى ذلك الحط من قيمة الفقير. بل إنه مما يؤثر عن رسول الله s أنه قال: «ما الذي أعطى من سعة بأفضل أجراً من الذي يقبل من حاجة».
ويروى أيضاً أنه قال ما معناه: إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير. على أن الصدقة في الجو الإسلامي إنما تفيد المتصدق أكثر مما تفيد الآخذ، ذلكم أن فائدتها للآخذ تكاد تكون فائدة مادية وحسب إنها بالنسبة للمعطى فإنها تفيده في الدنيا، وتفيده في الآخرة، أما فائدتها في الدنيا فإن الله سبحانه وتعالى يخلف عليه لا بالمثل وحسب بل أضعاف مضاعفة. ويقول الله تعالى « وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه» والصدقة دواء من المرض يقول صلوات الله عليه « داووا مرضاكم بالصدقات» أما فائدة الصدقة في الآخرة فإنها كما يقول صلوات الله عليه» اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة»
والله سبحانه وتعالى هو المعطي للمال فالفضل منه وإليه ولو شاء لأغنى الفقراء. ولكنه سبحانه وتعالى فتح أمام الأغنياء بالصدقة باباً هو الصدق في الإيمان حتى تكمل نفوسهم وتزكو فيرضى عنهم ويدخلهم في رحاب رحمته ورضوانه.
إننا الآن نعايش أيام رمضان الكريمة، سيد الشهور وأفضلها على الدوام حاضر معنا، فلتكن أيامه صياماً وطاعة وقيام ليله تطوعاً وفضيلة، فالفرصة أمامك و أبواب الجنان مفتوحة على مصراعيها، أبواب النيران مغلقة، والشياطين مصفدة. فاجعله لنفسك شهر المغفرة والرحمة والعتق من النار، وشهر الصبر، والمواساة، وشهر التكافل والتراحم والمساواة، لكي تُرفع فيه الدرجات، وتُضاعف فيه الحسنات، وتُكفّر فيه السيئات، شهر فيه ليلة واحدة هي خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فهو المحروم. فهنيئاً لكم أيها المسلمون برمضان، والسعد كل السعد لكم بشهر الصيام والقيام، ويا بشرى لمن تعرض فيه لنفحات الله، وجاهد نفسه في طاعة الله.
سلوك الصالحين في رمضان
Keine Kommentare:
Kommentar veröffentlichen