“في 2 حزيران/يونيو 2014، خاطب إريك بيورلند، إريك تراغر، وميشيل دن منتدى سياسي في معهد واشنطن. والسيد تراغر هو زميل واجنر في المعهد وكان في مصر خلال الانتخابات الأخيرة، وهو الأمر بالنسبة لبيورلند، مؤسس ورئيس “مؤسسة الديمقراطية الدولية”. والسيدة دن هي زميلة أقدم في برنامج الشرق الأوسط في “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي”. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم.”
إريك بيورلند
شهد الأسبوع الذي سبق الانتخابات الرئاسية في مصر انتشار المراقبين الدوليين في جميع أنحاء البلاد حيث اطّلعوا على آراء المواطنين حول العملية الانتخابية. وبصورة إجمالية، بلغ عدد المراقبين 86 شخصاً مثّلوا 17 دولة مختلفة وتوزعوا على خمس وعشرين محافضة من محافظات مصر السبعة وعشرين.
وعادة ما يُطلب من مراقبي الانتخابات توخّي الحياد واحترام القوانين المحلية؛ لذلك لا ينبغي اعتبار وجودهم بمثابة مصادقة على العملية. وفي هذه الانتخابات على وجه التحديد، اعتمد المراقبون نظاماً مبتكراً لجمع المعلومات، شمل إدخال البيانات لحظة استقائها على أجهزة لوحية محمولة. وعلى ضوء ما تم التوصل إليه من استنتاجات محلية، والتي لم تُشر إلى نسبة إقبال كبيرة، لا تبدو نسب الناخبين التي أبلغت عنها الحكومة موضع ثقة.
وعلاوة على ذلك، برزت مخاوف جدية حول البيئة السياسية القمعية التي أحاطت بالانتخابات. فعلى الرغم من أن الدستور المصري يحمي حرية التعبير وغيرها من الحريات، إلا أن قمع الحكومة للمعارضة، والإعتقالات واسعة النطاق التي قامت بها، وإقرارها قانون تظاهر جديد، جعلت من الصعب إجراء انتخابات ديمقراطية صادقة. هذا وكانت حملة حمدين صباحي، المرشح الرئاسي الوحيد الذي نافس عبد الفتاح السيسي، قد تحلّت بفسحة سياسية أكبر للمنافسة من الترشيحات السابقة، حيث توفرت له إمكانية أفضل للوصول إلى وسائل الإعلام والظهور من خلالها في جميع أنحاء البلاد. إلا أن الإعلام المصري رجّح كفة الميزان بشدة لصالح السيسي، كما أن الحكومة شنّت حملة قوية لاستنباط الأصوات وتحفيز الناخبين.
وفي يوم الانتخابات نفسه جرى فرض العديد من القيود التي جعلت الأمور أكثر صعوبة من ناحية وصول المراقبين إلى العملية الانتخابية. وبينما تمكنت بعض الفرق المحلية من نيل التفويض، واجهت فرقٌ أخرى ذات آراء سياسية معينة عوائق وعقبات إجرائية متواصلة. وقد تم تدريب المسؤولين عن الانتخابات بصورة أفضل، إلا أن استحالة الطعن بقرارات لجنة الانتخابات الرئاسية لا يتماشى مع كافة المعايير الدولية.
كما أن يوم الانتخابات قد شهد حضوراً مكثفاً للقوى الأمنية، شملت الجيش والشرطة وعناصر مسلحة أخرى. وقد رأى المراقبون عدد كبير من الأفراد الذين تواجدوا بزي مدني أو عسكري داخل مكاتب الاقتراع، ولعبوا دوراً أكثر بروزاً مما هو مستحب. كما اتخذت الحكومة أيضاً قراراً في اللحظة الأخيرة بتمديد الانتخابات ليوم واحد، على الرغم من أن المراقبين لم يجدوا أي عراقيل اعترضت الناخبين واستدعت اتخاذ إجراء كهذا، لا سيما وأن هذه التمديدات لا يجوز أن تحصل إلا في ظل ظروف استثنائية.
واليوم وفي أعقاب الحملة الانتخابية الرئاسية، يناقش المصريون مشروع قانون للانتخابات البرلمانية. ولعل السلطة التشريعية الجديدة تمنح البلاد فرصةً لإعادة ضبط توجهاتها وشمل أصوات أكثر في العملية السياسية.
إريك تراجر
تقف واشنطن أمام معضلة: إما مواصلة تقديم الدعم العسكري لدولةٍ تسير باتجاه نظام استبدادي، أو قطع هذا الدعم من أجل تشجيع الاعتماد على نظام ديمقراطي. لكن الواقع هو أن الأمل بدفع السياسة المصرية باتجاه أكثر ديمقراطية في الوقت الراهن ضعيفٌ للغاية.
واللافت للنظر أن حملة الانتخابات الرئاسية التي اتبعها السيسي قد انتهجت الاستراتيجية السياسية نفسها التي اعتمد عليها الحاكم المستبد السابق حسني مبارك. فقد اتكّلت أولاً على شبكة القبائل والعشائر الداعمة لمبارك من أجل حشد الأصوات، لا سيما وأن هذه العشائر تهيمن على الحياة الاجتماعية والسياسية خارج المدن الكبرى حيث يعيش نحو ثلثي الشعب المصري. ثانياً، اعتمد السيسي على رجال الأعمال لتمويل تكاليف اللافتات والأعمال الدعائية مستفيداً من قواعد دعمٍ سياسي متفرقة بشكل غير مركزي في جميع أنحاء البلاد – وتشبه هذه المقاربة النهج الذي اتبعه مبارك إلى حدٍّ بعيد. ثالثاً، يتبين من وقف البرنامج الساخر “البرنامج” للإعلامي باسم يوسف مؤخراً، أن الخطوط الحمراء القديمة عادت لتظهر مجدداً حيث بات مرفوضاً اليوم السخرية من السيسي كما كان مرفوضاً في السابق السخرية من مبارك. رابعاً، أصبح الإعلام المصري يمتلك حسٌّ جامح بالقومية – إذ تتخوف عدة محطات من أن تعيد الحكومة الجديدة وسائل الإعلام الحكومية إلى الساحة، لكي تدعم السيسي بشكل مفرط لتفادي ظهور محطات منافسة لها.
وفي حين أن المسار الاستبدادي الذي تسلكه مصر أمر مؤسف، تواجه واشنطن ثلاثة تحديات في إطار تشجيع الديمقراطية حالياً. أولاً، افتقار مصر إلى حزب ديمقراطي منظّم: فـ جماعة «الإخوان المسلمين» أثبتت ميولها الاستبدادية خلال السنة الرئاسية لمحمد مرسي، بينما هناك أطراف غير إسلامية تدعم حالياً قيادةً تحكم بالطريقة الإقصائية نفسها. ثانياً، عدم ثقة الرأي العام المصري بواشنطن بصورة مزعزعة جداً. أما التحدي الثالث فهو أن الصراع بين «الإخوان المسلمين» والقوات المسلحة المصرية يبقى نزاعاً وجودياً. فالسيسي ومَن حوله يقلقون من أن تتمكّن «الجماعة» من حشد قواتها لتعود إلى السلطة وتسعى إلى الثأر. وفي الواقع أن هذا القلق ليس نظرياً بحتاً، لا سيما وأن «الإخوان المسلمين» يكررون بانتظام أنهم يريدون إعدام السيسي. ولذلك تعتبر الحكومة أن دعوات “المصالحة” مع «الجماعة» أشبه بعملية انتحار – وما من شيء تستطيع واشنطن أن تقدّمه أو توقفه لإرغام القاهرة على إشراك «الإخوان المسلمين» في الحياة السياسية حالياً.
وبما أن واشنطن لا تستطيع الحصول على مصر الديمقراطية التي تريدها، يجدر بها بدلاً من ذلك أن تسعى للحصول على مصر التي تحتاجها: ألا وهي دولة تتوافق مع الولايات المتحدة من الناحية الاستراتيجية. وفيما يخشى الكثيرون في واشنطن من أن يعتبر المواطنون الدعم العسكري للحكومة الحالية بمثابة دعمٍ للنظام المستبد، يميل المصريون إلى اعتبار الدعم العسكري ضمانةً لأمنهم القومي وليس أداةً للتأثير على السياسة في بلادهم. ومع أنه لا يجدر بواشنطن صرف النظر عن مسار مصر باعتباره “انتقالاً إلى الديمقراطية”، عليها أن تنظر بواقعية إلى قدرة أمريكا على تحديد شكل هذا المسار في الوقت الراهن، وتركز بدلاً من ذلك على الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية بين البلدين.
ميشيل دن
مرّت مصر بعدة مراحل مختلفة على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، وكل ذلك في إطار فترة تغيير طويلة لا تزال حصيلتها غير معروفة. ومن الواضح أن البلاد تعاني من أزمة إرهابية فعلية، ناهيك عن الانتهاكات المستفحلة لحقوق الإنسان حيث يتم اعتقال أو قتل الكثيرين خلال التظاهرات، وانتشار التقارير عن أعمال التعذيب، فضلاً عن القيود الكبيرة المفروضة على حرية التعبير. ومن المحتمل أن تزيد القيود على حرية التعبير بعد الانتخابات: ففي مرحلة لاحقة من عهد مبارك، بات مقبولاً انتقاد الرئيس، بينما رُفض رفضاً قاطعاً انتقاد القوات المسلحة المصرية. وبما أن هوية السيسي مرتبطة بالجيش المصري، بات انتقاده من المحظورات.
ونظراً لأن الجيش المصري يعتبر نفسه وسط نزاعٍ وجودي، لا تستطيع الولايات المتحدة كبح الانزلاق نحو الاستبدادية. بيد، ليس من المناسب لواشنطن أن تبقي على نفس النوع من حزمة المساعدات التي قدّمتها لمصر في الماضي. لذلك سوف تعترف الحكومة الأمريكية بالرئيس الجديد وسوف تعمل مع القاهرة بشأن احتياجاتها الأمنية المشروعة، لكن العلاقة بين البلدين فقدت توازنها في ما يتعلق بما تحتاجه مصر فعلياً. فقد تطورت على مر السنين لتركز على الناحية الأمنية بينما ضعفت من الناحية الاقتصادية والشعبية. وعلى النحو نفسه شدد السيسي في المقابلات التي أجراها خلال الأشهر الماضية على إعادة بناء الدولة ولكنه لم يتحدث إلا القليل عن الشعب والتمكين.
وبالتالي، يجب على الولايات المتحدة أن توضح أن شراكتها هي مع دولة مصر وليس مع جيشها فقط. وعلى هذا الأساس، يجب إعادة توجيه المساعدات الأمريكية نحو الشعب المصري. إذ هناك جيلٌ صاعد من الشباب المصري الذي يحتاج إلى التعليم والإعداد لسوق العمل. ولا ينبغي على الولايات المتحدة أن تقع في فخ معادلةٍ لا ربح فيها ولا خسارة – فقد آن الأوان لإعادة النظر في الأعمال التي تنطلق من القاعدة إلى القمة.
ومن غير المرجح أن تؤثر إعادة تقييم حزمة المساعدات على تعاون القاهرة مع الولايات المتحدة، الذي استمر حتى خلال فترة تعليق المساعدات. ولا يجوز أن تؤثر على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل أيضاً؛ فمصر التزمت بهذه المعاهدة حتى في عهد مرسي.
وأخيراً، على الرغم من أن الدستور المصري الجديد يمنح البرلمان دوراً أكبر، سيشكل مشروع قانون البرلمان نقطة عودة إلى النظام الانتخابي المتبع في عهد مبارك عندما كانت ثلاثة أرباع المقاعد تُنتخب على أساس النظام الفردي. وهذا الأمر سيحبط عزيمة الأحزاب السياسية الجديدة التي كانت تعتقد أنها ستستفيد من غياب «الإخوان المسلمين» عن الساحة السياسية. وانطلاقاً من هذه الظروف وغيرها، يجب على الولايات المتحدة ألا تنفق مساعداتها على فرق ضخمة من مراقبي الانتخابات، إذ أن هكذا خطوة قد تمنح صفة الشرعية للانتخابات غير التنافسية، على غرار تلك التي حدثت للتو.
أعدت هذا الملخص مارينا شلبي.
نحو عهد السيسي: صفحة جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر؟
Keine Kommentare:
Kommentar veröffentlichen