جرا أمين- شيفيلد
أخذ وجود المسلمين في الدول الغربية يزداد يوماً بعد يوم نتيجة للأزمات المختلفة التي أثرت سلباً على تلك المنطقة، فدفعت بالكثير من أبنائها للهجرة نحوالغرب. فمنهم من أتى سعياً للعلم أوالعمل أوالابتعاد عن الهموم والصعاب، لعلهم يستطيعون تحقيق أحلامهم التي ستضمن لهم مستقبلاً أفضل لهم ولأولادهم. إلا أن هذه الجاليات المسلمة حاولت جاهدة الاندماج مع الأجانب لكنها وجدت صعوبة كبيرة في الأمر وذلك لاسباب كثيرة، وهذا ما انعكس على الأبناء الذين يعيشون بشخصيات مزدوجة، فيشعرون اليوم أنهم أوروبيون وطناً ومسلمون ديناً.
وعلى الرغم من النسبة الكبيرة للتواجد الإسلامي، إلا إنه لم يكتب لهم النجاح في التواصل المستمر تحت مسمى “التجمع الاسلامي”. وخصوصاً بعد أحداث11 سبتمبر التي غيرت موازين كثيرة، حيث ادت إلى انكماش المسلمين مع بعضهم البعض والابتعاد عن الاختلاط والتكييف مع الغربيين.
وكما هومعروف فان نسبة كبيرة من المسلمين العرب وغير العرب متواجدون منذ أمد بعيد في بريطانيا حيث تتراوح بين 3-4 أجيال. وكنتيجة للتعايش مع هذا المجتمع فقد تأثر المسلمون، وهذا ما انعكس سلبا وايجابا على حياتهم، وكون المرأة المسلمة يقع على عاتقها كاهل التربية والمحافظة على سلوك ابنائها فقد واجهت الكثير من الصعاب في جعل هؤلاء الابناء يمتلكون الشخصيات المتوازنة. وكان لمجلة “دليل العرب” وقفة مع مجموعة من السيدات المسلمات المقيمات في بريطانيا لنقترب أكثر ونلتمس الصعوبات التي تواجهها في حياتها اليومية والعملية بشكل خاص، والأسرة والأبناء بشكل عام. وعن كيفية تحقيقها التوازن بين احتكاكها مع المجتمع الغربي والدين الاسلامي والعادات المتوارثة من المجتمع الشرقي.
الجميع سواسية
“فرح الحارثي” عراقية الجنسية أتت الى بريطانيا وهي في عمر 15عاماً بعد أن هاجرت العائلة إلى بريطانيا من العراق بسبب الظروف السياسية القاسية التي مرت بها في تلك الآونة. فقد عانت من الوحدة والانفراد لعدم معرفتها المسبقة عن المجتمع، فاختلاف بيئة المجتمع الشرقي والغربي كبيرمن ناحية الاختلاط بين الشباب والشابات، فهذا السبب جعلها أقل اختلاطاً وتعاملاً مع الأصدقاء، وهنالك سبب ثان لم يساعدها في التقدم، هي اللغة وطريقة التعليم فكل هذا كان مختلفاً تماماً عن التي كانت عليه فتغيرت أوضاعها رأساً على عقب. ولكن من الناحية الثانية الاختلاط بين الجنسين خلق لها حرجا وتقييداً من الاندماج مع أصدقاء المدرسة. فتعتبر تلك المرحلة من أحرج المراحل العمرية للفتيات. وأضافت : ان الظروف التي مررت بها جعلتني أكثر حرصاً على مواصلة الدراسة والحصول على الشهادة الجامعية، وأصبحت امتلك نظرة مستقبلية والاستفادة من العلم والمعرفة أكثر وأكثر وهذا كله يرجع أيضاً الى تشجيع الأهل والدعم المعنوي لي طوال ذلك الوقت.
وأكدت أنها لم تواجه صعوبات جعلتها تشعر أنها غريبة، وعلى حد قولها ان الجميع في هذه البلاد سواسية فهم يعتمدون على القدرات والموهبة التي لدى الشخص. قد تكون هنالك بعض المهن لا يقبلون بها إلا من هم انجليز.
وتختلف الأوضاع بين عائلة وأخرى، فعائلة الدكتور البسطاوي المصرية أتت هنا طلباً للعلم والاستقرار في بريطانيا، فالزوج استاذ جامعي والزوجة طبيبة، وكما هومعروف أن ساعات العمل لهاتين المهنتين طويلة ومتعبة مما استدعى الدكتورة هناء أن تعمل لساعات محددة نتيجة خوفها على ابنيها، ولتتفرغ أكثر لهما، وعلقت قائلة إن ابناءها في عمر المراهقة وهذه المرحلة العمرية من أخطر المراحل، فهي حرجة وتحتاج إلى حرص أكثر ومتابعة مستمرة في بلداننا العربية فما بالك في هذا المجتمع المنفتح، فقررت أن تدخل ابنيها في المدارس العربية والاسلامية أيام عطلة نهاية الأسبوع، فهذا ساعدها أكثر على ان يختلط ابناها مع الجالية المسلمة وتكوين الأصدقاء من نفس الدين حتى تمكنهما من المحافظة أكثر على اللغة العربية. والقوانين البريطانية سمحت بإنشاء هذه النوعية من المدارس العربية والاسلامية، مما ساعدت الجاليات المسلمة على التواصل والتعارف على بعضهم البعض وعدم الانخراط في المسار الذي يعارض ديننا الاسلامي.
الموازنة بين الأمور
ان تربية الابناء تختلف بين مجتمع اسلامي وآخر غير ذلك، فتربية الأطفال في مجتمعاتنا الاسلامية أسهل لأن العادات والمبادئ متشابهة بين العائلات على العكس في المجتمعات الغربية، فحرص الأسرة على الأبناء قد يكون هماً كبيراً على كاهل الوالدين، فالمجتمع يؤثر بشكل غير مباشر على طريقة التفكير وتصرفات الأبناء. ومن هنا يأتي دور الأهل في مقدرتهم على موازنة الامور والسيطرة على تصرفات ابنائهم وحمايتهم من المجتمع وآثاره السلبية. هذا ما قالته السيدة تشيلي من باكستان حيث تابعت ان التجمعات المسلمة في المساجد لأخذ الدروس الدينية أصبحت لدينا معروفة ومنتشرة بين عوائل الجالية المسلمة، مما يساعد على التكاتف مع بعضهم وتجمعهم في العطل وخاصةً في الأعياد الدينية وهذا يساهم في خلق الشعور الايجابي تجاه الدين الاسلامي في نفوس الأبناء بحيث يختلط الأهل والأبناء حتى ولوكانوا من جنسيات مختلفة ولكن المهم إن الدين نفسه، والله عز وجل قال:”إنا خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا”.
ولعل رأي السيدة منى المسؤولة عن إقامة دورات لتعليم تجويد القرآن، موافق لرأي السيدة تشيلي حيث قالت: إن هذه الدورات ليست فقط لتعليم القرآن الكريم هي أيضاً لتقويم العلاقات والاختلاط، فكثير من النساء المشاركات كان هدفهن هوايجاد الحلول الملائمة والتفكير باستمرار بمصير أبنائهن من الناحية الدينية ويحاولن وبأفضل الطرق اختيار وانتقاء الاصدقاء الصالحين لابنائهن مع غيرهم من نفس الدين.
التجمعات تمثل امتداداً للوطن
وتابعت خلال الأعياد يتجمع الكثير من أبناء الجالية المسلمة في أول أسبوع من العيد في نهاية عطلة الأسبوع في احدى الحدائق العامة ويحتفلون مع البعض حيث توزع الحلويات بعد الصلاة. وأردفت قائلة: فعلاً من الصعب تربية الأبناء وخاصة في الدول الأوروبية، والامر يزداد سوءاً إذا كانت المنطقة التي نعيش فيها لا توجد فيها مراكز اسلامية أوأي نشاط يجمع الأسر والشباب للتعرف على بعضهم البعض وتبادل الخبرات.
فهذه التجمعات تمثل امتداداً للوطن والدين بكل ما يحتوي من أبعاد انسانية واجتماعية وثقافية ودينية، وفي كثير من الاحيان تحمل هذه التجمعات أجمل خصال هذه الأمة وأنبلها، وتنبض بآلامها وآمالها. فيجب التواصل ببناء جسر المحبة والألفة مع الأهل والمسلمين في كل مكان، والتواصل البنّاء ليبقى شعارنا الذي نؤمن به ويجمعنا عبر الزمن.
القرآن الكريم النهج السليم
تعتبر الغربة والبعد عن الأهل من أصعب الأمور عند “ نجاح المصلح” من فلسطين، فزواجها من أحد ابناء بلدتها الذي قادها لتغيير حياتها بشكل كلي عندما قدمت معه للعيش في أوروبا. فقالت: لقد أثرت الثقافة الغربية على طريقة تفكيري بصورة عامة فالمجتمع الغربي مجتمع منفتح ولا تقيده القيود، على العكس من مجتمعاتنا، فالعادات والتقاليد جعلت من المجتمع منغلقا وهنالك سبب ثان جعل مجتمعاتنا أقل انفتاحاً وهوالدين والشريعة، فالقوانين الشرعية الاسلامية وضعت حدوداً وهذا لا يعتبر قيوداً للمجتمع، ولكن تعتبر حدودا ًللحلال والحرام، فهذه النقطة هي الفاصلة بين المجتمع الغربي والشرقي.
ولقد اعتمدت على تعليم القرآن الكريم وجعلته نهجا لي في تربية أطفالي فعندما تواجهني بعض الأمور الصعبة ألتجئ إلى الآيات القرانية الكريمة، فهي تعطي جميع المبادئ والحدود وكذلك معرفة الصح والخطأ والحلال والحرام.
وتابعت لقد أثر المجتمع الغربي على أبنائي،ولكنني جعلتهم يكتسبون منه طريقة التفكير الإيجابية فهذه الخصلة هي من اكثر الخصال التي اعتبرها مهمة جداً للأطفال، فأخذ الأمور بإيجابية سوف تفتح منافذ أكثر للإنسان من أن يكون سلبي التفكير. والأمر الثاني هوتحمل المسؤولية ومنذ بداية المراحل العمرية فان هذا يؤثر في تكوين الشخصية الثابتة والقوية والاعتماد على الذات.
فكلنا كأمهات مسلمات نعيش في هذه البلاد نواجه صعوبة بشكل عام وهذه الغربة تؤثر على نفسية الشخص بشكل غير مباشر. مما يتوجب على الجاليات المسلمة أن تتوحد لمساندة بعضها البعض والتعاون لتجاوز كل الصعوبات التي تؤثر على حياتنا وحياة ابنائنا، والتي تسهم في تعزيز قيم ومبادئ الدين الاسلامي بشكل صحيح.
لغة الترغيب والترهيب
لكل مجتمع بشري خصوصية وسمات تربوية تميزه عن غيره وله تأثير في نشأة الابناء الذين ينتمون إليه، وإن تفاوت هذا التأثير من فرد إلى آخر، بسبب عوامل التأثيرالداخلية المتمثلة بالأسرة والخارجية المتمثلة بالمحيط الذي يعيشون فيه. هذا ما قالته “صفية المعلل” من الأردن حيث تابعت قائلة: تؤثر العادات والأعراف والقيم في الغرب وصحبة الأقران ووسائل الإعلام في صياغة عقول الصغار وتعمل على صقل اسلوب حياتهم اليومية. إن عملية التربية الواعية لأبناء المسلمين في أوروبا تأخذ بعين الاعتبار التربية الدينية ممزوجة بأثر الواقع الأوروبي على علاقات الأفراد ببعضهم البعض وتؤثرعلى صقل شخصية الصغير، خاصة في الجوانب الحياتية المعاشة المبنية على قيم وسلوك ومعطيات المحيط الاجتماعي الذي نعيش فيه.الأسرة المهاجرة تربي ابناءها على التقاليد والأعراف وخاصة في مجال توقير واحترام الكبير وضرورة قبول تدخل الكبار بكل صغيرة وكبيرة في حياة الأبناء، من باب الخوف على مستقبلهم وهم يعيشون في بيئة لا تحترم قيم وعادات المهاجرين.
الواقع الأوروبي يفرض مجموعة من التحديات علينا كمهاجرين وابنائهم ونحن على العموم لسنا مهيئين للتعامل معها. قضية تربية الأبناء تحتل أهمية خاصة لدينا كأسر مهاجرة ونتعاطى معها بأساليب مختلفة على حسب ثقافاتنا الشخصية وأنا شخصيا اتعاطى مع ابنائي على اساس لغة الترغيب والترهيب ولغة الحلال والحرام المبنية على التشدد وعلى لغة المسموح والممنوع. لا استطيع أن انكر أنني واجهت الكثير من المشاكل مع ابنائي في توضيح هذا المشهد الصعب ولكن بمرور الوقت ونضوجهم أدركوا تماما ما كنت أعنيه.
سيدات مسلمات عشن تجربة الغربية بين الأمل و الألم
Keine Kommentare:
Kommentar veröffentlichen