Samstag, 27. Dezember 2014

خطوة للأمام: الانتخابات البرلمانية التونسية

كتب / إبراهيم منشاوي - مدرس مساعد العلوم السياسية – جامعة القاهرة.


لقد كشفت نتائج الانتخابات البرلمانية التونسية والتي جرت في 26 أكتوبر 2014، عن تراجع الإسلام السياسي بقيادة حزب النهضة، حيث تصدر تلك الانتخابات حزب نداء تونس والذي يوصف بالحزب العلماني، فقد فاز بــ 85 مقعداً، في مقابل 69 مقعداً لحزب النهضة، من إجمالي 217 مقعداً، وهذا له دلالة واضحة ومهمة على عملية التحول الديمقراطي التي تشهدها تونس، إذا أخذنا في الاعتبار أن تلك البلاد مقبلة على انتخايات رئاسية في 23 نوفمبر القادم، مما يشعل الصراع مجدداً بين القوى السياسية هناك، خاصة أن نتائج الانتخابات البرلمانية ستؤثر إلى حد كبير على نتائج الانتخابات الرئاسية. ولعل من أهم الدلائل التي برزت في هذا الصدد، صعود الأحزاب غير الإسلامية في المعادلة التونسية، وقبول الإسلاميين للتعددية السياسية، وعدم قدرة أي حزب على الحصول على الأغلبية المقررة لتشكيل الحكومة. وهو ما يمكن مناقشته في النقاط التالية.


تراجع الإسلاميون:


    يمكننا القول، أن تراجع الإسلاميين في الانتخابات الأخيرة يعزى إلى عدم القدرة على جذب الناخب التونسي، نتيجة لرواسب التجربة السابقة، مما أدى بدوره إلى تشتت الأصوات التي اصطفت حوله في الماضي وتحولها إلى حزب نداء تونس وحلفاؤه، فقد استطاع السياسي التونسي الباجي قائد السبسي أن يشكل تحالفاً سياسياً- انتخابياً، يسمح لكل القوى القديمة التي كانت تناصر نظام “الدولة القومية”  التي نشأت بعد الاستقلال في تونس، أن تمارس العمل السياسي مجدداً، حيث استطاعت أن تقدم بديلاً سياسياً مقبولاً لدى الناخبين التونسيين يحل محل الإسلاميين، كما أن وجود تيار سلفي جهادي يتبنى العنف، فضلاً عن تورطه في عدد من العمليات التي هزت الأمن التونسي صب بدوره في صالح النداء وحلفائه الذين استثمروا ذلك بشكل كبير. وما يثار عن الخطر الداعشي كان له نصيباً ليس بالقليل، صب في صالح القوى المناهضة للإسلاميين أيضاً، حيث تواترت الأنباء قبل الإنتخابات عن وصول تنظيم داعش إلى تونس ونجاحه في تجنيد عدد من الشباب التونسي للحرب في العراق، وقد تم الربط بين هذا التنظيم وسلفي تونس وحزب النهضة، مما مثل ضربة قوية لهم أدت إلى تقدم القوى المدنية. كما كان لدى المواطن تخوفات كبيرة من عدم قدرة حزب النهضة في حال فوزه، على إحداث تقدم في ملفات أخفقت فيها  حكومة علي العريض، وأهمها الملفان الاقتصادي والأمني، وبعض المتعاطفين مع النهضة، بدأت تساورهم الشكوك تجاه  التناقضات التي بدت خلال المرحلة الانتقالية بين قيادة الغنوشي، التي تتسم بالمرونة والمناورة السياسية، وبين بقية الكوادر النهضوية التي تتسم بالصلابة والتشدد، وفي حال غياب القيادة لأي سبب، يمكن أن يتحول الحزب إلى الفاشية الدينية. وقد أثارت المحاولات الاغتيالية في تونس أيضاً، والتي تمخض عنها اغتيال المعارض الإشتراكي التونسي شكري بلعيد في فبراير الماضي، العديد من علامات الإستفهام حول مستقبل النظام السياسي ومستقبل البلاد برمته، في ظل وجود حزب النهضة في السلطة، وإلى أي مدى يستطيع ذلك الحزب الحفاظ على التعددية السياسية في البلاد؟، فقد كانت هذه القضية محل جدل كبير في تونس وتصدرت مناقشات الرأى العام حول علاقة الإسلاميين بعمليات العنف، وهو ما دفع إلى اتجاه منحنى القوى الإسلامية للهبوط في الانتخابات البرلمانية، والتأثير على مستقبلهم السياسي في تونس.


قبول التعددية السياسية:


    على الرغم من تراجع الإسلامين في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، إلا أنهم أقروا بنتائجها وأعترفوا بها، وهذا يعد مسلكاً ديمقراطياً يحسب لحزب النهضة وأنصاره، ويؤشر لإمكانية نجاح التجربة الديمقراطية في البلاد، حيث أنها المرة الأولى التي يقر فيها الإسلاميين بخسارة الإنتخابات بطريقة ديمقراطية، والأحرى بالذكر أيضاً في هذا المقام، القول بأن خروج راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة ليعترف بالتراجع، أمراً حيوياً ومعبراً، حيث دعى إلى ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون قادرة على مواجهة التحديات الكبيرة التي تعاني منها تونس، مع تأكيده على ضرورة ترسيخ الديمقراطية والثقة في المؤسسات. كما أن القبول بمبادئ العملية الديمقراطية جنب تونس الدخول في نفق مظلم إذا ما رفضت القوى الإسلامية نتائج الإنتخابات بدعوى إعادة إنتاجها لرموز النظام القديم، أو التذرع بأي حجة أخرى، مما كان سيتيح الفرصة لصعود قوى الإسلام الراديكالي في تونس، ولكن هذا المسلك الديمقراطي أتاح لكافة القوى فرصة قوية وحقيقية للتوافق على شكل العملية السياسية من جديد، حيث أن التفاعلات السياسية في تونس انتقلت من كونها “تفاعلات صراعية” في فترة ثورة الياسمين وما بعدها، لتتحول إلى تفاعلات “تنافسية سلمية”، ترجح قبول الآخر وتميل إلى المبارزة السياسية، من خلال نظام يقوم على التعددية الحزبية غير المشروطة وغير المقيدة بنصوص دستورية أو قانونية، تستبعد المشاركة السياسية لتيار من التيارات أو تحظر عمله. وهو ما يدعونا للتساؤل حول شكل الحكومة المقبلة، وكيف سيتم تشكيلها؟ وهل ستكون حكومة توافقية في ظل هذا الجو الديمقراطي؟ وهو ما سنناقشه تالياً.


فرص تشكيل الحكومة المقبلة:


    تشير نتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة في تونس إلى عدم استطاعت أي حزب الحصول على الأغلبية المقررة في الدستور لتشكيل الحكومة المقبلة (50+1)، حيث حصل نداء تونس الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق الباجي السبسي على نسبة 39% من الأصوات، تليه حركة النهضة بنسبة 32% ، في حين صعد الحزب الوطني الحر الذي يتزعمه رجل الأعمال سليم الرياحي إلى المركز الثالث بـ6%. وبالنظر إلى أحكام الدستور؛ فإن رئيس الجمهورية يكلف مرشح الحزب الفائز بأغلب المقاعد بتشكيل الحكومة، وبما أن نداء تونس لم يفز بالأغلبية المطلقة للأصوات، فإنه سيضطر للتحالف مع أحزاب ممثلة داخل البرلمان لتشكيل حكومة إئتلافية، مما سيزيد من أهمية الأحزاب الصغيرة ويجعل لممثليها في البرلمان دوراً لا يستهان به، فقد يشهد صراعاً بين النداء والنهضة، والذي يحسم هذا الصراع هي أصوات تلك الأحزاب الصغيرة.


     وفي غضون الأيام السابقة طرح حزب نداء تونس خياراته المحتملة لتشكيل الحكومة المقبلة على لسان القيادي الباز في الحزب، خميس قسيلة، والتي تتمثل في؛ تشكيل حكومة حزبية ولا تشارك فيها حركة النهضة، أو؛ تشكيل حكومة حزبية تشارك فيها حركة النهضة، بشرط دعمها لترشح الباجي قائد السبسي في الإنتخابات الرئاسية المقبلة أو عدم مساندة أي مرشح، أما الخيار الأخير فيثمثل في تشكيل حكومة كفاءات. ولعل تشكيل الحكومة التونسية الجديدة قد يستغرق وقتاً طويلاً بسبب الدخول في مفاوضات مع كافة القوى الحزبية الفائزة للإتفاق على شكل الحكومة القادمة، وهو ما أكده السبسي خلال تصريحه لأحد الشبكات الإذاعية، بأن مشاورات التشكيل قد تتطلب ما يقرب من شهرين، ولن تبدأ قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة فى 23 من الشهر المقبل. وفي هذا السياق أعلنت حركة النهضة غير مرة عن استعدادها للدخول في حكومة وفاق وطني، وهو ما أكده لطفي زيتون القيادي في الحزب، وهو ما سبق أن أكده أيضاً راشد الغنوشي. وسوف تكشف الأيام المقبلة عن مسار التفاوض حول شكل الحكومة، والتي نأمل أن تكون معبرة عن تطلعات الشعب التونسي في مسيرته نحو الديمقراطية.   وتبقي الإشارة إلى أن التجربة الديمقراطية التونسية، تجربة ثرية بكل المعاني، حيث استطاعت التغلب على العديد من المعوقات، لتشكل باكورة أمل لكل دول الربيع العربي.



خطوة للأمام: الانتخابات البرلمانية التونسية

Keine Kommentare:

Kommentar veröffentlichen