Sonntag, 28. Dezember 2014

سيطرة الحوثيين على صنعاء ومخاطر التقسيم والانفصال

كتب / أحمد عبد التواب الخطيب - مدير وحدة التحليلات السياسية بمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية


بعد مراحل عدة من الصراع بين الدولة اليمنية ومسلّحي الحركة الحوثية، تمكّنت جماعة “عبدالملك الحوثي” المعروفة باسم “أنصار الله” في 21 سبتمبر 2014 من السيطرة بسهولة نسبية على مفاصل العاصمة صنعاء. وقد بدأت إرهاصات الأزمة في مارس 2014، عندما استغل الحوثيون الارتباك المتزايد في المشهد اليمني، واضطرابات الجيش المخترق من قبل رجالهم، وتشتته في أكثر من جبهة في الشمال والجنوب، فقاموا بشن هجوم مباغت على مواقع تابعة للواء 310 مدرع، وهو اللواء الأقوى تشكيلاً وتسليحًا، والذي تعتمد عليه الدولة بشكل كبير في معاركها ضد الحوثيين، لتتحول محافظة عمران إلى ساحة حرب، استطاعت القوات الحوثية خلالها الانتصار على اللواء والاستيلاء على كامل عتاده وأسلحته، وقتل قائده العميد “حميد القشيبي”. وكان من نتائج هذه المعركة أن صار الحوثيون على بعد 50 كم من العاصمة صنعاء، مما يسر لهم الزحف إليها مع تهجير “آل الأحمر” من منازلهم ومعاقلهم في حاشد، ما أدى إلى اختلال موازين القوى لمصلحة الحوثيين والنيل من هيبة الدولة.


ولم يتوقف الحوثيون عند هذا الحد، وإنما بدأوا في أواخر أغسطس 2014 مرحلة جديدة في مخططهم، الساعي إلى تعزيز نفوذ تنظيمهم، عبر إفشال متدرج لكافة عمليات التسوية السياسية المطروحة مثل مبادرة الرئيس “عبد ربه منصور هادي” في سبتمبر 2014 بتشكيل حكومة وحدة وطنية وخفض أسعار الوقود. فقد قام الحوثيون بمحاصرة العاصمة صنعاء استغلالاً لأزمة اقتصادية ذات أبعاد اجتماعية وشعبية وهي رفع الحكومة لأسعار الوقود حتى تمكنوا من الوصول إلى قلب العاصمة.


وبعد فشل مهمة المبعوث الأممي إلى اليمن “جمال بنعمر” في التوصل إلى صيغة اتفاق مع الحوثيين لوقف إطلاق النار في صنعاء، ووضع خطة سلام شاملة لشمال البلاد على ضوء نتائج الحوار الوطني الشامل التي تدعو إلى نزع واستعادة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من كل الأطراف والجماعات والأحزاب والأفراد التي نهبت أو جرى الاستيلاء عليها من للدولة. ورغم تأكيد الحوثيين إنهم يقاتلون خصوماً موالين لحزب “الإصلاح الإسلامي” وإنه لا نية لديهم لمهاجمة صنعاء، وإعلان أن أهداف ومطالب التحرك هي “إسقاط الزيادة السعرية وإسقاط الحكومة الفاشلة”، وأن هدف التحرك “ليس لا احتلال صنعاء، ولا الهدف ابتلاعها”، استطاع الحوثيون في 21/9/2014 فرض سيطرتهم الكاملة على العاصمة، وهو ما دفع الرئيس “هادي” إلى التوقيع في اليوم نفسه على اتفاق “السلم والشراكة الوطنية” لحل الأزمة مع جماعة “أنصار الله” الحوثية، معلنًا أن الاتفاق يمثل مخرجًا وطنيًّا يجنب البلاد ويلات الكوارث والحرب والتفتت، مؤكدًا أن معالجة الأزمة يجب أن تصب دائمًا في مصلحة أمن واستقرار ووحدة اليمن ومخرجات الحوار الوطني الشامل على أساس المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.


ورغم ذلك، قام مسلحو جماعة الحوثي بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء والمنشآت الحيوية فيها، باقتحام منازل العديد من خصومهم السياسيين وفي مقدمتهم منازل القائد العسكري “علي محسن الأحمر”، وكذلك الشيخ “القبلي حميد الأحمر” والعديد من قيادات حزب “الإصلاح”، كما قاموا بحرق المدارس وبعض المساجد وارتكاب أعمال انتقامية وتخريبية، واستولوا على دبابات وعربات وأسلحة ثقيلة وصواريخ تابعة للجيش. كما قاموا باقتحام معسكرًا للجيش بمحافظة الحديدة غربي البلاد، ونهبوا ما بداخله من أسلحة، بهدف السيطرة على مينائها الرئيسي. وهي التحركات التي أثارت غضب القبائل لاسيما السنية منها بالإضافة إلى تنظيم القاعدة ضد الحوثيين.


وقد أتاحت السيولة السياسية والأمنية في الدولة اليمنية ومؤسساتها، للحوثيين الفرصة لفرض شروطهم التي مثلها اتفاق السلم والشراكة الوطنية الأخير، والذي يعد بحق اتفاق فرض الأمر الواقع؛ فقد تضمنت وثيقة الاتفاق الأخير تشكيل حكومة كفاءات في غضون شهر، وتعيين مستشارين للرئيس “عبد ربه منصور هادي” من الحوثيين والحراك الجنوبي. ونصّ الاتفاق أيضًا على خفض إضافي لأسعار الوقود، وتنفيذ الحكومة المقبلة إصلاحات اقتصادية، وإعادة النظر في تشكيل الهيئة الوطنية للإشراف على مخرجات الحوار الوطني.. وجميع هذه البنود هي مكتسبات حققها الحوثيون من خلال التفاوض تحت القصف.


ويرى كثير من المحللين أن الأزمة الراهنة ستجعل الدولة اليمنية لفترة مقبلة في حالة عدم استقرار، قد تبرز في شكل مطالب جهوية ومناطقية وفئوية وقبلية وعسكرية، وفي ضوء ذلك، يمكن توقع ثلاثة تصورات لمستقبل الدولة اليمنية على أثر الأزمة الراهنة: 


-           إعادة الحوار حول دول الوحدة والشراكة الحقيقية في ضوء حقائق اليمن الجديدة، مع الاندفاع بالأهداف التي ينبغي أن تتضمن رؤية خلاقة للتطوير والتحديث لليمن كدولة عصرية.


-           التشطير والانفصال في ضوء اضطراب المركز واهتراء السلطة في صنعاء وهو ما يعني تكريس قدرة الأطراف على تحدي المركز وعدم قدرة المركز على لملمة أطرافه، وبالتالي يسود وضع من عدم القدرة على الحسم قد يمتد إلى سنوات، وتبقي الدولة المهترئة على حالة شبيهة بالصومال.


-           الفيدرالية أو الكونفدرالية، وهو التصور الذي يجتمع خلاله الجميع حول نقطة ترضي كافة الأطراف باعتباره نقطة الوسط التي يطويها طرح الحل العادل، وتحتفظ الدولة في ظله بوحدتها ومسماها الموحد، ولكن مع احتفاظ المناطق والأقاليم ذات الخصوصية بدرجات ما من الاستقلالية في إدارة شؤونها الداخلية. 


وقد انطلق مؤتمر الحوار في مارس 2013 برئاسة رئيس الجمهورية وبرعاية الأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي. وقد أقر المؤتمر الذي بلغ عدد أعضائه 565 عضوًا نصفهم من الجنوب و30% من النساء و20% من الشباب، تشكيل تسع فرق عمل، العضوية فيها مناصفة بين الشمال والجنوب، هي: القضية الجنوبية، قضية صعدة، قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، بناء الدولة، الحكم الرشيد، أسس بناء الجيش والأمن ودورهما، استقلالية الهيئات ذات الخصوصية، الحقوق والحريات، التنمية الشاملة والمستدامة.


ونجحت القوى اليمنية في التوافق على وثيقة تم إعلانها في 25 يناير 2014، تضمنت إعادة بناء الدولة على أساس فيدرالي، وتفويض رئيس الجمهورية في تشكيل لجنة لتحديد الأقاليم التي تتكون منها هذه الدولة، إلى جانب وضع توجهات عامة، ومبادئ أساسية للدستور الجديد. وعلى الرغم من أن الاتفاق على تبني النظام الاتحادي تم بحسبانه حلاً لمشكلات اليمن، ويعالج أسباب النزاعات الانفصالية في البلاد، ويضع الأسس الملائمة للتوزيع العادل للثروة، فإن هناك تحديات سيثرها هذا النظام عند التطبيق، بالنظر إلى واقع المجتمع اليمني، وحداثة التجربة الاتحادية، والخلاف المتوقع حول أسس توزيع الثروة في البلاد التى لا تزال تعاني حالة عدم الاستقرار الأمني، وعلى أكثر من صعيد. وقد انتهت لجنة تحديد عدد الأقاليم رسمياً في 10 فبراير 2014، إلى إعلان الجمهورية اليمنية دولة اتحادية تضم ستة أقاليم: إقليمين في الجنوب، وأربعة أقاليم في الشمال، كحل وسط بين التقسيم والوحدة في إطار الدولة المركزية.


وعلى الرغم من خروج الحوار الوطني سالف البيان بمخرجات توافقية عُد نجاحًا كبيرًا له، فإنه يبقى من التحديات الرئيسية التى تواجه التطبيق الكامل لتلك المخرجات مواقف أطراف الحوار ذاتها من نتائجه، حيث أن اثنين من أهم مكونات الخريطة السياسية اليمنية، وهما جماعة أنصار الله الممثلة للحركة الحوثية، والحراك الجنوبي المعبر عن جنوب اليمن، أعلنا على الفور رفضهما للنتائج التي خرجت بها “لجنة تحديد الأقاليم”.



سيطرة الحوثيين على صنعاء ومخاطر التقسيم والانفصال

Keine Kommentare:

Kommentar veröffentlichen