كتب / أحمد عسكر
باحث مساعد بمركز دراسات الأهرام
تواجه القارة الأفريقية _ لا سيما منطقة غرب أفريقيا _ أخطر أزمة صحية طارئة في العصر الحديث وفقا لمنظمة الصحة العالمية، حيث تعاني منطقة غرب أفريقيا تفشي مرض الإيبولا منذ مارس 2014 بعد إعلان أول حالة إصابة في دولة غينيا ومن ثم سريان المرض إلى دولة ليبيريا التي تعد الأكثر معاناة، ودولة سيراليون، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل أعلنت دول الجوار الأفريقي وقوع حالات إصابة بفيروس الإيبولا كما في نيجيريا والسنغال قبل أن يعلن المسئولون فيها مؤخرا خلوهما من المرض، فضلا عن حالات إصابة في غانا ومالي، وجدير بالإشارة إلى أن تزايد خطورة هذا المرض والاهتمام العالمي به جاء بعد إعلان بعض الدول الأوروبية والغربية عن حالات إصابة بين مواطنيها بالفيروس، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وإسبانيا، ما أدى إلى إنطلاق دعوات للمجتمع الدولي بشأن تكثيف التعاون والتنسيق لمحاولة السيطرة على المرض.
ماهية الإيبولا وبؤر انتشاره:
يعد الإيبولا مرضا وخيما يصيب الإنسان وغالبا ما يكون قاتلا، فنسبة الوفيات جراء ذلك المرض تصل إلى 50% في المتوسط من نسبة المصابين به، وينتقل المرض غالبا من الحيوانات البرية مثل الشمبانزي، والغوريلا، وخفافيش الفاكهة، ومن ثم ينتقل إلى التجمعات السكانية البشرية عن طريق ملامسة دم الحيوانات المصابة بعدوى المرض أو إفرازاتها أو أعضائها، كما تنتقل عدوى المرض بين الأشخاص عبر الملامسة المباشرة لدم الفرد المصاب بالفيروس أو إفرازاته أو أعضائه وكذلك المواد الملوثة كالمفروشات والملابس، وجدير الإشارة إلى أن فيروس الإيبولا لا ينتقل عبر الماء أو الجو.
وتتمثل أعراض فيروس الإيبولا في الإصابة بحمى وآلام في العضلات وصداع والتهاب في الحلق، يتبعها تقيؤ وإسهال وظهور طفح جلدي واختلال في وظائف الكلى والكبد، وفي بعض الحالات يصاب المريض بنزيف داخلي وخارجي على حد سواء، كما يحدث انخفاض في عدد الكرات البيضاء والصفائح الدموية وارتفاع في معدلات إفراز الكبد للإنزيمات. جدير بالذكر أن الظهور الأول لفيروس الإيبولا في عام 1976 في مطقتي يامبوكو في دولة الكونغو الديمقراطية في قرية قريبة من نهر إيبولا لذا فقد اكتسب الفيروس اسمه منه، ومنطقة نزارا في دولة السودان.
لماذا عاد الإيبولا مجددا؟
ما لا يعلمه الكثيرون أن فيروس الإيبولا لا يلبث أن يختفي حتى يتفشى مرة أخرى، حيث يميل إلى الاختفاء والظهور من حين لآخر، فالفيروس ينتشر بين الحيوانات وخاصة الخفافيش ثم ينتقل إلى الإنسان نتيجة للاحتكاك بالحيوانات المصابة، عندها يحدث تفشي للمرض ومن ثم يختفي مرة أخرى. وثمة حقيقة مفادها أن مرض الإيبولا أصبح معهودا في القارة الأفريقية، على الرغم من أن القارة لم تشهد حالات إصابة بالمرض في بعض السنوات كعام 2006 التي أعلنت فيه القارة عدم وقوع أية حالات إصابة بالمرض، إلا أنه لا يلبث أن ينتشر ويتفشى مرة أخرى بعد اختفائه.
الجهود للسيطرة على الفيروس:
في ظل تفاقم الأوضاع في منطقة غرب أفريقيا وتزايد انتشار الفيروس والتصاعد في أعداد الوفيات جراء المرض حتى وصلت إلى4555 حالة وفاة من إجمالي 9215 إصابة وفقا لآخر إحصائية لمنظمة الصحة العالمية، كان من الضروري سرعة التحرك على المستوى الإقليمي والدولي لمواجهة المرض والحد من انتشاره ومحاولة السيطرة عليه قبل سريانه إلى مناطق أخرى في المنطقة. ومع إعلان منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ العالمية بسبب فيروس الإيبولا، لم تستطع الدول الأفريقية المنتشر بها المرض مواجهة المرض بالشكل الكافي، وربما يرجع ذلك إلى ضعف النظم الصحية في تلك الدول وافتقارها للموارد البشرية والبنية التحتية اللازمة، ومن ثم وجد الفيروس بيئة خصبة للانتشار والتغلغل لمناطق ودول أخرى. ومع استشعار المجتمع الدولي الخطر من هذا المرض، فقد بُذلت جهودا من قبل الدول الغربية والمنظمات العالمية لمحاولة السيطرة على المرض، فقد دعت منظمة الصحة العالمية المجتمع الدولي إلى المسارعة في تكثيف وتنسيق الجهود التي من شأنها الحيلولة دون خروج الإيبولا عن السيطرة في غرب أفريقيا، ومن ثم فقد طالبت المنظمة بمساعدات مالية قدرها مليار دولار لمواجهة المرض. كما أعلن مجلس الأمن الدولي بأن مرض الإيبولا يشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين ومن ثم فقد أرسل بعثة ميدانية إلى منطقة غرب أفريقيا بالتعاون مع حكومات الدول المتضررة والمنظمات الإقليمية كالاتحاد الأفريقي والإيكواس لتنسيق الجهود من أجل مكافحة المرض، ودعا مجلس الأمن المجتمع الدولي تقديم الموارد والمساعدات للمساهمة في معالجة هذه الأزمة. ودعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى التحرك السريع في مواجهة مرض الإيبولا المتفشي في غرب أفريقيا معتبرا أنه لا يشكل تهديدا إقليميا فقط، بل يتخطى إلى التهديد العالمي للمجتمع الدولي كله، وأعلن أوباما عن إنشاء 17 مركز للعلاج وتدريب العاملين بقطاع الصحة، وإنشاء مركز قيادة عسكرية لتنسيق الجهود، ومن المتوقع أن تقدم الولايات المتحدة 750 مليون دولار لجهود مكافحة إيبولا. وأبدت دول الاتحاد الأوروبي عزمها على المساعدة في مواجهة مرض الإيبولا والتعاون فيما بينها في جمع البيانات وتبادل المعلومات بشأن المرض لمحاولة السيطرة عليه، كما اتخذت بعض الإجراءات الوقائية للحيلولة دون انتقال وانتشار المرض في دولها خاصة بعد ظهور حالات إصابة في عدد من دول الاتحاد مثل ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، واسبانيا، وقد أعلن الاتحاد عن تقديمه دعما يقدر بحوالي مليار يورو لمواجهة الإيبولا في غرب أفريقيا. كما أعلنت فرنسا إقامة مستشفى عسكري ميداني في غينيا لمكافحة المرض، وفي نفس السياق، أرسلت الصين منذ بداية تفشي الإيبولا حوالي 174 خبيرا للمشاركة في إعداد البحوث الخاصة بالفيروس، من أجل تحسين قدرات التحاليل المعملية للمساعدة في الحد من انتشار مرض الإيبولا، كما أعلنت استراليا إرسال مساعدات مالية تقدر بحوالي 6.4 ملايين دولار للمساعدة في التحرك لمواجهة المرض.
وأعلنت كندا تقديمها دعما يقدر بحوالي 30 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية، كما قدمت كل من الصين والإمارات وكوريا الجنوبية ما مجموعه 16 مليون دولار لمنظمات الأمم المتحدة المختلفة، أما بالنسبة للجهود المبذولة من المؤسسات غير الحكومية، فقد تعهدت مؤسسة بيل وميليندا غيتس الأمريكية التي يمتلكها بيل غيتس، بتقديم 50 مليون دولار لدعم الجهود في مواجهة الوباء، كما أعلن مؤسس وصاحب شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” الملياردير مارك زوكربيرج تبرعه بـ 25 مليون دولار لمكافحة المرض.
كما يمكن القول بأن المساعدات العسكرية قد أًصبحت ضمن الجهود المبذولة لمواجهة المرض في أفريقيا، بعدما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن إرسال 3 آلاف من الجنود الأمريكيين للمساهمة في مواجهة ذلك المرض، فضلا عن إعلان هولندا إرسالها سفينة حربية للمنطقة لتقديم المساعدة، وهو ما يثير الشكوك حول نوايا تلك المساعدات ويعيد إلى الأذهان فترة الاستعمار الغربي لأفريقيا. وجدير بالإشارة أيضا إلى أن التكنولوجيا الحديثة لم تكن ببعيدة عن تلك الجهود خاصة بعد إعلان بعض الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الاعتماد على الروبوتات في إجراء فحوصات إيبولا ومعالجة المخاطر المرتبطة بتفشي ذلك الفيروس.
هل من علاج للإيبولا؟في إطار الجهود المتواصلة للسيطرة على مرض الإيبولا في منطقة غرب أفريقيا، وبعد إعلان حالة الطوارئ الصحية عالميا، فقد عرضت منظمة الصحة العالمية على مجموعة من خبراء الصحة العالمية لائحة تضم ثمانية علاجات تجريبية ولقاحين يجب تطويرها لتقييم وسائل مكافحة مرض الإيبولا، وأوضحت المنظمة أنه لم يتم إجراء أية تجارب سريرية لهذه اللقاحات.فيما أعلن مسئولون في مجال الصحة في الولايات المتحدة الأمريكية عن بدء تجارب بشرية على لقاح مضاد لفيروس الإيبولا أنتجته شركة ” جلاسكو سميث كلادين “، فيما أعلنت اليابان في وقت سابق عن استعدادها لتقديم علاجات تجريبية بشأن مصل ولقاحات مضادة لفيروس الإيبولا . وفي أول تجربة لاختبار أول لقاح لمرض الإيبولا على مواطنة بريطانية ضمن 60 متطوعا كانت النتيجة الأولية للاختبار جيدة، ومن ثم أعلنت عدد من المؤسسات الصحية العالمية خاصة في الولايات المتحدة اختبار اللقاح على مواطنين متطوعين في مالي وزامبيا للتأكد من أن العقار له رد فعل مناعي قوي على المتطوعين، وأن أعراضه الجانبية طفيفة.وفي نفس الإطار تم اختبار مصل يعرف ب Zmapp أنتجته شركة ” ماب بيوفارماكيوتيكال” والتي مقرها مدينة سان دييجو الأميركية، وهو دواء لم يجرب من قبل على الإنسان، واقتصرت تجربته على القردة وكانت نتائجه ناجحة، ومن ثم تم حقن مواطنين أمريكيين وكانت نتائجه ناجحة حيث شُفي المريضان. إلا أن هناك تحذيرات بضرورة دراسة واختبار نتائج هذا المصل قبل توزيعه، ويذكر أن مصل (ZMapp) ليس الوحيد في هذا المجال، إذ توصل باحثون بجامعة كامبريدج البريطانية إلى أمصال مضادة للفيروس جربت أيضا بنجاح على القردة. كما أعلنت الصين إرسالها عدة آلاف من جرعات الدواء المسى بـ ” كي جي أو 5 ” كعلاج تجريبي جديد إلى منطقة غرب أفريقيا لمجابهة تفشي مرض الإيبولا.خلاصة القول، من الأهمية بمكان التأكيد على ضرورة تنسيق الجهود الدولية والتعاون فيما بين الدول والمنظمات المعنية لمجابهة الانتشار والتزايد المضطرد لمرض الإيبولا الذي لم يعد تهديدا إقليميا بل امتد خارج القارة الأفريقية ليصبح خطرا عالميا يهدد المجتمع الدولي.
الإيبولا.. مأزق إقليمي ودولي!
Keine Kommentare:
Kommentar veröffentlichen