Samstag, 5. Juli 2014

فرص وقيود: هل تمهد "داعش" الطريق لـ"المشروع الكردي" بالشرق الأوسط؟

يبدو أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط تمثل بيئة حاضنة لتنامي المشروع الكردي، حيث خلق التماسك، الذي أبدته قوات البشمركة الكردية في العراق أمام عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” داعش”، واقعاً جديداً لموازين القوى في العراق. جاء ذلك بالتزامن مع الخطوات الحثيثة التي اتخذها أكراد سوريا، في إطار عملية التحول نحو الحكم الذاتي من خلال تشكيل إدارات مدنية انتقالية للتمهيد نحو مزيد من الاستقلال في المستقبل.


يأتي ذلك أيضا في الوقت الذي تتوافر فيه النية لدى كل من حزب العمال الكردستاني، بقيادة عبد الله أوجلان، في تركيا للدخول في مفاوضات مع حزب العدالة والتنمية، خاصة مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية. فقد كشف التحولات السياسية في المنطقة عن وجود رغبة حقيقية معززة بخطوات لدى الأكراد لتحقيق الحلم الكردي في تأسيس دولة كردستان الكبرى، لاسيما مع انتشار الأقلية الكردية في كل من سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، مما يجعل نشوء هذه الدولة يمثل خطراً حقيقياً على تماسك هذه البلدان.

مؤشرات التقدم الكردي


تعددت في الآونة الأخيرة مؤشرات تقدم الأكراد في مسيرة تحقيق حلمهم التاريخي بتحقيق الاستقلال. ولا شك فى أنهم صاروا بخطوات حثيثة تجاه تحقيقه، كشفت عنها مجموعة من التحركات. وفى هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أبرزها لتنضم ما يأتى:

أولاً- تشكيل إدارات مدنية انتقالية للمناطق الكردية. وفى خطوة تعد منعطفاً استراتجيا بالغ الأهمية في مسيرة أكراد سوريا، بدأ الأكراد في تبنى استراتيجية إعلان الحكم الذاتي في المناطق التي تم تحريرها من قوات الأسد. فالأكراد في سوريا تتجمع في ثلاث مناطق رئيسية؛ الأولى شمال شرق سوريا، وتضم كلا من  القامشلى، والحسكة، وعامودا، والقحطانية، والمالكية، وعين العرب. أما الثانية، فهي منطقة عفرين فيما يسمى بجبل الأكراد بشمال حلب. أما المنطقة الثالثة والأخيرة، فهي حي الأكراد بمدينة دمشق. وفى هذا السياق، أعلن الأكراد  بشمال شرق سوريا أو ” غرب كردستان” في منتصف نوفمبر 2013 عن تشكيل ” إدارة مدنية انتقالية” بعد مشاورات جرت في مدينة القامشلى، دامت ما يزيد على أربعة أشهر لمقترح كان قد تقدم به حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD)، والذي يعد أكبر الأحزاب الكردية السورية.


فوفقاً للقرار الكردي الذي أعلن تشكيل الإدارة الانتقالية لمناطق غرب كردستان-سوريا،  فإنه تم تقسيم المناطق الكردية في سوريا إلى ثلاث مناطق، وهى الجزيرة، وعفرين، وكوبانى، يكون لكل منها مجلسها المحلى الخاص، وممثلون في المجلس الإقليمي العام. وتتمحور مهمة تلك الإدارات في الإدارة المرحلية في إعداد قوانين الانتخابات المحلية، والتحضير للانتخابات، علاوة على مناقشة القضايا الجوهرية، خاصة السياسية، والاقتصادية، والأمنية، في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها الدولة السورية.


وفى خطوة أكثر تقدماً، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في منتصف يناير 2014 عن تشكيل حكومة محلية لمنطقة الجزيرة مؤلفة من 22 عضواً لإدارة شئون المنطقة، في الوقت الذي أكد فيه صالح مسلم-رئيس الحزب-عن نيتهم لتسمية حكومتين ممثلتين لكل من منطقتي عفرين وكوبانى، وهو ما تحقق بالفعل في يناير 2014.


تعد تلك الخطوات تمهيداً لإعلان الحكم الذاتي لأكراد سوريا. والجدير بالذكر أنه لا يمكن فصل تلك التحركات لأكراد سوريا عن نيتهم لعقد المؤتمر الوطني الكردي الذي من شأنه أن يمثل اللبنة الأولى لاستقلال كردى مستقبلي.

ثانياً- تكوين قوات عسكرية خاصة لحماية المناطق الكردية: لم تتوقف مسيرة أكراد سوريا عند الإدارات المدنية، بل امتد الأمر لتكوين ذراع عسكرية للأكراد في سوريا. فقد قام الأكراد، خاصة حزب الاتحاد الديمقراطي، بتكوين جيش تحت مسمى  “قوات الحماية الشعبية”  (YPG) يقدر عدد عناصره بما يقرب من عشرة آلاف ليضطلع بمهمة حماية المناطق الكردية من أي هجمات خارجية، سواء من جانب قوات نظام الأسد، أو حتى المعارضة السورية المسلحة، خاصة مقاتلي ” داعش”، وجبهة النصرة، والجيش السوري الحر، بالإضافة إلى تكوين الأكراد أيضاً لقوات للأمن الداخلي” الأسايش”، وتقوم بمهمة رئيسية تتمثل في إقرار وحفظ  الأمن، وملاحقة مرتكبي الجرائم الجنائية داخل المناطق الكردية في سوريا.


ثالثاً- السيطرة على المواقع النفطية المهمة، ويبدو أن الظروف قد ساعدت الأكراد على مزيد من بسط النفوذ على المواقع النفطية المهمة، لاسيما في العراق. فقد سيطرت القوات الكردية بشكل شبه تام على كركوك، والتي بها رابع أكبر حقل نفط في العراق، حيث يمثل إنتاجه نصف إجمالي إنتاج العراق من النفط.
وفى مشهد مشابه، تسيطر قوات الحماية الكردية في سوريا على منطقة حقل الرميلان النفطي بشمال شرق سوريا بمحافظة الحسكة، والذي يعد من أهم الحقول النفطية، وأكثرها إنتاجا في سوريا، وهو يعطى الأكراد موقعاً مميزاً نسبياً على الساحة السورية.

رابعاً- بسط النفوذ الكردي على المواقع والمعابر الاستراتيجية، فقد تحقق هذا الأمر في حالتي سوريا والعراق. ففي العراق، ظلت كركوك المدينة الاستراتيجية-التي تبعد 240 كيلو مترا عن بغداد- محل تنازع وخلاف طويل بين بغداد وكردستان، لكونها يسكن بها مزيج من العرب والأكراد والتركمان، فضلاً عن أهميتها النفطية. لكن يبدو أن الصراع عليها قد حسم بشكل كبير لمصلحة الأكراد بعد سيطرة البشمركة عليها، بعد خلوها من قوات الجيش العراقي التابعة للحكومة. ومن ثم، فإن موقفاً جديداً قد خلقه الأكراد على الأرض بحكم الواقع.

وعلى صعيد أكراد سوريا، فقد سيطرت قوات الحماية الشعبية الكردية على معبر اليعربية في المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق، بعد انتزاعه من قوات داعش، إذ يعد هذا معبراً استراتيجياً مهما، نظراً لكونه يربط بين البلدين، ويمكن أن يستخدم في تهريب المواد الغذائية، والمنتجات النفطية بين البلدين.


خامساً- إظهار التماسك والتنظيم في صفوف الأكراد. فعلى عكس الحكومة العراقية المركزية وقواتها العسكرية التي بدت مفككة، فضلا عن عدم قدرتها على مواجهة عناصر الدولة الإسلامية في العراق والشام ” داعش”، أبدى الأكراد، خاصة قوات البشمركة التابعة لهم، تماسكا كبيرا في مواجهة عناصر داعش، لاسيما في كركوك.

ولا شك فى أن هذا التماسك في مواجهة داعش سيقوى موقف الأكراد إلى حد كبير في مواجهة بغداد، بعد انتهاء أزمة داعش، بحسبانه كان يعد موقفاً كاشفاً عن ضعف وترهل الحكومة العراقية بقيادة نورى المالكي، ليس هذا فحسب، وإنما يمثل فشلاً استراتيجياً لحكومة بغداد، من شأنه أن يقوى الوضع التفاوضي للأكراد، مما سيدفع بالمالكي مستقبلاً لتقديم تنازلات للأكراد بشأن القضايا الخلافية، خاصة تصدير النفط. واللافت للانتباه أن الأحداث الأخيرة تؤكد أن موازين القوة في العراق قد اختلت تماماً بين بغداد وإقليم كردستان لمصلحة الأكراد.


تصدعات البنية الكردية

وعلى الرغم من توافر تلك المؤشرات على اقتراب تحقيق الحلم الكردي، سواء بدولة مستقلة، أو حتى الحكم الذاتي في كل دولة على حدة، فإن البنية الكردية ذاتها تشهد حزمة من التصدعات التي تعرقل هذا المشروع، يعد أهمها الانقسام الكردي الداخلي ذاته حول العديد من القضايا المركزية، وعلى كافة المحاور، لاسيما في كل من العراق وسوريا.

فعلى الصعيد العراقي، يعانى الأكراد حالة انقسام لم تعد خافية على الأوساط السياسية العربية بوجه عام، والعراقية على وجه خاص، إذ ينصب هذا الانقسام حول قضيتين رئيسيتين، الأولى ترتبط بتصدير الإقليم للنفط دون الرجوع إلى حكومة بغداد. فالعناصر المكونة للتحالف الوطني الكردستاني قد انقسمت على ذاتها بشأن تلك القضية بين مؤيد ومعارض. فالحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، وحركة التغيير يؤيدان التصدير المنفرد، في الوقت الذي يرى فيه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتزعمه جلال طالباني-رئيس الجمهورية-أن التصدير المنفرد من شأنه يزيد الفجوة بين بغداد وأربيل، وهو ما سيكون له نتائج سلبية على الأكراد.


أما الأخرى، فقد تجلت بشدة في الانتخابات الأخيرة، والخلاف حول دعم وتأييد نورى المالكي لرئاسة الوزراء من عدمه. فعلى الرغم من زيادة عدد المقاعد التي حصلت عليها القوى الكردستانية في الانتخابات الأخيرة إلى 62 مقعداً بدلاً من 57 في الانتخابات السابقة، فإنها انقسمت إلى عدة أحزاب، وهى كالتالي: حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 25 مقعدا، ثم الاتحاد الوطني الكردستاني 21 مقعدا، ويليه حركة التغيير 9 مقاعد، والاتحاد الإسلامي 4 مقاعد، وأخيراً الجماعة الإسلامية بثلاثة مقاعد.


ولعل هذا النتيجة تشير لوجود حالة من الانقسام داخل البيت الكردي ذاته، وهو ما دفع مسعود بارزاني-رئيس الإقليم- إلى الاجتماع بالأحزاب الكردية لاحتواء الانقسام فيما بينها. كما امتد الخلاف الكردي-الكردي إلى مسألة دعم ترشيح المالكي لولاية ثالثة. فبينما يؤيد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ترشيح المالكي لرئاسة الوزراء، لا يخفى الحزب الديمقراطي الكردستاني معارضته.


وعلى جانب الأكراد في سوريا، فلا يبدو أنهم  أفضل حالاً، حيث يعانون الآفة ذاتها، فقد تجاوز الأمر الخلاف العادي إلى استخدام القوة، فيما عرف بانتشار ظاهرة ” شبيحة الأكراد”. إذ يدور الخلاف الكردي-الكردي حول عدة أمور، منها فلسفة حل القضية الكردية. فينقسم الأكراد بين الاتحاد السياسي الكردي، برئاسة عبد الحكيم بشار، الذي يرى أن حل القضية يرتبط بشكل مباشر بحل الأزمة السورية ككل، وذلك في إطار تأسيس دولة اتحادية، شرط أن تكون في إطار الإجماع الوطني، بحسبان أنه لا يمكن حلها بمعزل عن القضية الوطنية السورية، وهو الأمر ذاته الذي يؤكده الحزب الديمقراطي التقدمي.


وعلى الجانب الآخر، تأتى قوى كردية أخرى، بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، تسعى لإقامة إقليم كردى مستقل في إطار دولة فيدرالية. ويكشف هذا الانقسام عن وجود تصدع كبير داخل البنية الكردية في قضية تعد الأكثر أهمية في مستقبل المشروع الكردي، وهو ما لا يدع مجالاً للشك أن هذا الانقسام سيضعف الموقف التفاوضي للأكراد.


ويضاف لذلك تبادل الفصائل والأحزاب الكردية الاتهامات بشأن الانحياز لنظام بشار الأسد على حساب الثوار، حيث تتهم الفصائل حزب الاتحاد الوطني، وقوات الحماية الشعبية الكردية بدعم بشار الأسد، بطريقة غير مباشرة، من خلال إضعاف المعارضة المسلحة عبر توجيه سلاحه ضد الكتائب الثورية في الجيش السوري الحر بدلاً من قوات النظام.


الخلاصة أن ثمة اتفاقا على أن الخلافات الداخلية لدى الأكراد في كل دولة على حدة، خاصة سوريا، لا تقتصر فقط على الأبعاد المحلية، وإنما بارتباطات وأبعاد إقليمية، وتجاذبات بين بارزاني وأوجلان، على وجه التحديد. ولعل تلك الارتباطات تلعب دوراً كبيراً في تأجيج حالة التناحر الكردي-الكردي، مما يلقى بظلاله على كبح جماح المشروع الكردي الاستقلالي المستقبلى.


أحمد زكريا الباسوسي



فرص وقيود: هل تمهد "داعش" الطريق لـ"المشروع الكردي" بالشرق الأوسط؟

Keine Kommentare:

Kommentar veröffentlichen